بعد عودته إلى البيت الأبيض لولاية رئاسية ثانية، سارع الرئيس دونالد ترامب إلى استقبال خمسة من قادة إفريقيا في قمة خماسية عقدت في واشنطن، ضمت رؤساء موريتانيا، السنغال، ليبيريا، غينيا بيساو، والغابون. الحدث حمل دلالة كبيرة، ليس فقط لأنه أول تحرك دبلوماسي إفريقي في عهد ترامب الثاني، بل لأنه عكس نوايا إدارة جديدة/قديمة تسعى لإعادة ترتيب أولوياتها الخارجية، خاصة في القارة السمراء.
ترامب “الثاني”… بوجه إفريقي مختلف
في ولايته الأولى، لم يكن الملف الإفريقي في طليعة أولويات ترامب. أما اليوم، وبعد عودته إلى الحكم مدعومًا بقواعد انتخابية محافظة، وصراع محتدم مع الصين وروسيا على النفوذ العالمي، تأتي هذه القمة كإشارة على رغبة واشنطن في إعادة التموضع في إفريقيا، ولكن بأسلوب ترامب: براغماتي، مباشر، بلا مجاملات بيروقراطية.
الإعلام الأمريكي، من CNN إلى The Washington Post، قرأ في القمة تحولًا استراتيجيًا يتجاوز الصور والابتسامات، لتعكس رؤية ترامب الجديدة: إفريقيا ليست قارة مساعدات، بل سوق مفتوح، ومصدر للمعادن النادرة، وامتداد جيوسياسي مهم في الحرب الباردة الجديدة.
الهجرة والأمن: ثوابت مستمرة… بل بحدة مضاعفة
أبرزت Reuters أن ترامب استهل ولايته الثانية بتوسيع سياسات الهجرة الصارمة، وطلب من الزعماء الأفارقة المشاركين تعاونًا مباشرًا في ملف ترحيل المهاجرين غير الشرعيين. الإعلام الأمريكي المحافظ رأى في ذلك انتصارًا للسيادة الوطنية، بينما وصفه الإعلام الليبرالي بأنه استخدام للأفارقة كأدوات ضغط انتخابي داخلية، حتى بعد انتهاء الحملة.
زلات الخطاب أم رسائل مقصودة؟
في مشهد مشابه لولايته الأولى، عاد ترامب لإثارة الجدل حين مدح “اللغة الإنجليزية الممتازة” للرئيس الليبيري، وهو ما فُسِّر من قبل Time وNBC على أنه سلوك ثقافوي متعالٍ يعكس عقلية قديمة في التعامل مع القادة غير الغربيين. لكن بعض المنابر، مثل Fox News، دافعت عن الموقف واعتبرته تعبيرًا عفويًا عن الاحترام.
القارة بين واشنطن وبكين: العودة من الخاص إلى العام
Brookings Institution وCarnegie Endowment فسّرا القمة على أنها رسالة مباشرة للصين: الولايات المتحدة عادت إلى إفريقيا… ولكن عبر الدول الأكثر استجابة وموقعًا استراتيجيًا. لا مزيد من القمم الجماعية الكبرى، بل لقاءات انتقائية مع قادة دول محورية على خريطة الساحل والطاقة.
الرسالة الأمريكية كما فسرها الإعلام: الشراكة مع إفريقيا مشروطة، ومبنية على المصالح المشتركة، لا المجاملات الدبلوماسية.
ولاية ثانية بلون خارجي
من منظور انتخابي، يرى الإعلام الأمريكي أن ترامب بعد فوزه الثاني بات يتحرك بثقة أكبر على الساحة الدولية، مدفوعًا برغبة في ترك “بصمة رئاسية تاريخية” في ملف السياسة الخارجية. وهذا ما يفسر اختياره إفريقيا كوجهة أولى.
CNN وصفت القمة بأنها بداية لمشروع “ترامبي جديد” يقوم على مضاعفة النفوذ الأمريكي في مناطق تعتبرها واشنطن الآن ضرورية لكسر احتكار الصين للموارد والتقنيات.
لا يمكن اعتبار قمة واشنطن مع القادة الأفارقة الخمسة مجرد صورة إعلامية. فالإعلام الأمريكي، بمختلف توجهاته، قرأ بين سطور الحدث توجهًا استراتيجيًا يتجاوز الزيارات الرمزية:
ترامب يعيد صياغة السياسة الإفريقية بمنطق صفقة ومصلحة.
الدول الإفريقية تدرك أن العالم متعدد الأقطاب يحتاج لتوازن في العلاقات، وليس ارتهانًا لمحور واحد.
الحضور الإفريقي في واشنطن ليس فقط انعكاسًا لعلاقة مع ترامب، بل سعي للحصول على موطئ قدم جديد في النظام العالمي المتشكل.
ويبقى الرهان: هل تتحول هذه القمة إلى حجر أساس لعهد أمريكي جديد في إفريقيا، أم تظل مجرد لفتة دبلوماسية رئاسية؟ الجواب… في القادم من السياسات لا الكلمات.