مدخل: يقول الفيلسوف والكاتب الإيطالي نيكولو مكيافيلي، ما معناه: إن الفرص لا تنقص، لكن الوعي بها في لحظتها هو ما يميز القادة والمتبصرين؛ وفي السياق السياسي، يعبّر مكيافيلي مراراً عن أن الحظ يمنح الفرص، لكن قلة من الناس يمتلكون الجرأة والبصيرة للقبض عليها في الوقت المناسب.
المتن: منذ توليه مقاليد الحكم في أغسطس 2019، شكل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني علامة فارقة في المشهد السياسي الوطني، وذلك بمنهج متزن يزاوج بين الحزم والتعقل، ويمنح الأولوية لقيم العدالة الاجتماعية وردّ المظالم وتعزيز التماسك الوطني.
تبنّى الرئيس غزواني نهجًا يقوم على معالجة تراكمات الماضي، فتم إنصاف المطرودين من وظائفهم لاعتبارات سياسية، ونزع فتيل أزمة القطيعة السياسية، وظهر القادم الجديد ملجأ لأصحاب المطالب التي طالما تم تجاهلها.
فتح ولد الغزواني أبواب الدولة أمام الفئات المغبونة والمهمّشة، واستثمر في رأس المال البشري من خلال مشاريع تستهدف تحسين الظروف المعيشية للفئات الأكثر هشاشة.
وتجسدت هذه الإرادة في برامج طموحة كمشروع “تآزر” الواسع، ومشروع التأمين الشامل، ومشاريع الإسكان، والدعم الإجتماعي غير المحدود الذي وفّر الدعم المباشر لعشرات الآلاف من الأسر الفقيرة، وأطلق ديناميكية اقتصادية على مستوى القرى والأرياف.
في عهده، تحولت مفاهيم الإنصاف والعدالة من شعارات إلى سياسات ملموسة، اتضحت في رد الاعتبار لضحايا المظالم القديمة، وإعادة إدماجهم في الحياة العامة، في صورة تجسّد سعيًا جادًا إلى رأب الصدع المجتمعي وتحقيق مصالحة وطنية صامتة وفعالة.
وعلى المستوى الخارجي، نجحت موريتانيا في ظل قيادة الرئيس غزواني في ترسيخ صورة الدولة المستقرة ذات السياسة المتزنة، ما أكسبها ثقة الشركاء الإقليميين والدوليين.
فاستطاعت نواكشوط، التي طالما وُصفت بالمنعزلة، أن تتبوأ موقعًا متقدّمًا في المشهد الدبلوماسي الإفريقي والدولي.
وتجلّت هذه الثقة في انتخاب موريتانيا لرئاسة البنك الإفريقي للتنمية رغم قوة المنافسة، في سابقة تعكس حجم الاحترام والثقة اللذين يحظى بهما الرئيس غزواني على مستوى القارة.
كما تعهد شركاء دوليون، خلال الأسبوع الأخير، بدعم مالي يتجاوز ملياري دولار لدفع عجلة التنمية، ما يعكس اقتناعًا دوليًا جادًا بنجاعة السياسات الداخلية الموريتانية، ضمن سابقة في تاريخ البلاد.
أصبحت موريتانيا المعزولة سابقا حليفا استراتيجيا لنمور آسيا، ومحل تقدير خاص من الأوروبيين، وشريكا موثوقا به لدى الولايات المتحدة، رغم حساسية التوازنات الدولية.
لقد اتسمت السياسة الخارجية الموريتانية في عهد غزواني بنهج الواقعية الرصينة، والابتعاد عن الاصطفافات الحادة، فنسجت البلاد علاقات متوازنة مع أطراف إقليمية كثيرة، بعضها (قطر والإمارات، المغرب والجزائر، إيران والسعودية) على خلاف واضح فيما بينها، لكنها اتفقت على احترام موقع موريتانيا والحرص على الشراكة معها.
هذا النهج التوافقي أتاح لموريتانيا لعب أدوار محورية في ملفات أمن الساحل، والتقارب الإفريقي، بل وحتى الوساطات الهادئة خلف الكواليس.
إن أبرز ميزات الرئيس غزواني هي قدرته الدقيقة على اختيار الشخصيات المناسبة للمهام المناسبة، خاصة في الملفات الحساسة.
فقد أحاط نفسه بفريق متنوّع يضم كفاءات مُجربة تمتاز بالحزم في مواطنه، وبـ”اليد الملسة” في مواطنها، وأخرى شابة نشطة؛ وجمع بين الثقة والفعالية، دون أن يقع في فخ المحاصصة أو المجاملات.
هذا الحضور الهادئ والواثق من الرئيس سمح بإدارة ملفات معقدة بحكمة، وساهم في خلق مناخ سياسي أكثر هدوءًا من الفترات السابقة، بل وأعطى إشارات واضحة على أن الدولة تسير بخطى ثابتة نحو التحديث والتطوير.
لقد شكّلت العهدتان الرئاسيتان للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني فرصة نادرة لموريتانيا في تاريخها الحديث؛ فرصة لالتقاط الأنفاس، وتثبيت الاستقرار، وبناء قواعد جديدة للتنمية والانصاف والتعايش.
وإذا استمر هذا النهج المتوازن، فإن موريتانيا مرشحة لأن تصبح نموذجا إفريقيًا في التحول السلمي، والتنمية المنصفة، والدبلوماسية المتوازنة؛ في زمن يعجّ بالتقلبات والانقسامات.
لقد اختارت موريتانيا طريقًا مختلفًا، هو طريق الهدوء الفعال، والعدالة المتروية، والثقة المكتسبة بجهد وصبر؛ وهو ما قد يُسجَّل مستقبلاً كأحد أنجح التحولات السياسية في المنطقة.
للعبرة: القوة لا تكمن في الأسنان، بل في السِّنان.