في منعطف حاسم من تاريخها السياسي، تستهل موريتانيا عام 2025 على وقع تحركات واسعة لفتح حوار وطني شامل، يقوده شخصية سياسية معروفة باهتمامها بالتوافق والانفتاح، هي موسى فال. خطوةٌ رأى فيها كثيرون فرصة حقيقية لتلطيف التوتر السياسي المتصاعد، بينما يراها آخرون مجازفة محفوفة بالتحديات، في ظل سياق داخلي هش وإقليمي مضطرب.
عودة موسى فال إلى واجهة المشهد كمُدير لمسار الحوار لم تأتِ من فراغ، بل تعكس رغبة داخل الطبقة السياسية – وربما حتى داخل دوائر صناعة القرار – في تجربة مسار بديل قائم على الوساطة والتهدئة. يُعرف الرجل بسيرته السياسية الهادئة، وبتجربته في الحكم والمعارضة على حد سواء، ما يمنحه نوعاً من القبول لدى الأطراف المختلفة.
يقول مقربون من لجنة التنسيق إن فال حصل على “ضوء أخضر” من قوى المعارضة وبعض شخصيات النظام، وبدعم معنوي من المجتمع المدني، لتنسيق جهود حوار يُؤمل منه إرساء قواعد جديدة للعبة السياسية في البلاد.
المشهد السياسي في موريتانيا اليوم لا يخلو من التوتر. فخلال السنوات الماضية، تراكمت ملفات الخلاف بين النظام والمعارضة: من مسألة شفافية الانتخابات، مروراً بتهم الفساد، وصولاً إلى المطالب المتعلقة باستقلال القضاء وحرية الصحافة.
هذا الاستقطاب يتزامن مع تحديات إقليمية متزايدة، خاصة في منطقة الساحل، حيث تتشابك ملفات الأمن واللاجئين والتنمية، وتُفرض على نواكشوط أدوار أكبر من مقدرتها أحياناً.
بحسب التسريبات الأولية، فإن خارطة طريق الحوار السياسي تشمل خمسة محاور رئيسية:
1. إصلاح النظام الانتخابي وضمان حياد المؤسسات المشرفة على الانتخابات.
2. تعزيز دولة القانون من خلال إصلاحات قضائية وتفعيل الفصل بين السلطات.
3. العدالة الاجتماعية ومناقشة سبل تقليص الفوارق وتوزيع الثروة بشكل عادل.
4. مراجعة السياسات الأمنية في ظل التحديات الإقليمية.
5. ملف الحقوق والحريات، خصوصاً ما يتعلق بحرية التعبير والصحافة.
نجاح هذا الحوار لن تكون له تداعيات داخلية فقط، بل سينعكس أيضاً على مكانة موريتانيا في المعادلة الإقليمية. فالعالم يراقب نواكشوط اليوم من زاويتين: أولاهما أنها نموذج ديمقراطي نسبي في منطقة مضطربة، والثانية أنها شريك مثالي في ملفي الهجرة ومحاربة الإرهاب.
ولذلك، فإن أي توافق سياسي داخلي سيكون بمثابة “شهادة صلاحية” لتوسيع الشراكات الخارجية، خصوصاً مع الاتحاد الأوروبي وفرنسا والمنظمات الإفريقية.
لكن الطريق ليس معبّداً أمام موسى فال. من أبرز العقبات:
ضعف الثقة بين الفاعلين السياسيين.
غياب الضمانات لتنفيذ مخرجات الحوار.
خوف بعض الأطراف من أن يتحول الحوار إلى منصة لإعادة توزيع النفوذ بدلًا من البحث عن حلول.
وهنا يكمن التحدي الأكبر: كيف يمكن تحويل النوايا الحسنة إلى نتائج ملموسة؟ وكيف يمكن منع الحوار من أن يكون مجرد “تمرين شكلي” لا يغيّر شيئاً في عمق المعادلة السياسية؟
بناءً على المعطيات الراهنة، هناك سيناريوهان رئيسيان:
سيناريو النجاح: يتمثل في التوصل إلى توافق شامل، يفضي إلى إصلاحات حقيقية وفتح الساحة السياسية أمام الجميع، وهو ما قد يعزز الديمقراطية والاستقرار ويعيد بناء الثقة في المؤسسات.
سيناريو الإخفاق: وهو استمرار حالة التوجس، وفشل الحوار في تحقيق اختراق حقيقي، ما قد يعيد البلاد إلى دائرة التوتر، وربما الاحتقان الشعبي.
لا شك أن الحوار الوطني في موريتانيا بقيادة موسى فال يمثل لحظة سياسية فارقة، قد تُسهم في إعادة بناء العقد السياسي بين الدولة والمجتمع، إذا ما توفرت له الإرادة، والضمانات، والحس الوطني المشترك. فهل ينجح موسى فال في مهمته؟ أم أن البلاد ستدخل فصلاً جديداً من التجاذب؟
الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.
محمد ولد عمار