زيارة فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني إلى العاصمة البلجيكية بروكسل للمشاركة في المنتدى الثاني لمبادرة البوابة العالمية (Global Gateway) لا يمكن قراءتها كتحرك دبلوماسي روتيني ، فهي محطة من رؤية استراتيجية أعمق تسعى بلادنا من خلالها إلى إعادة تموضعها على خريطة التعاون الدولي والاقتصاد العالمي.
فمنذ عقود، شكّلت العلاقات بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي أحد أركان سياستنا الخارجية . لكنها كانت في مراحل كثيرة علاقة غير متكافئة، تهيمن عليها اتفاقيات الصيد والمساعدات التنموية.
اما اليوم ومع التحولات الكبرى في الاقتصاد الموريتاني، تبرز فرصة لإعادة تعريف هذه العلاقة على أساس الشراكة في القيمة المضافة، لا مجرد المساعدات.
ومشاركة الرئيس الغزواني في هذا المنتدى تؤكد رغبة نواكشوط في أن تكون شريكًا استراتيجيًا في التنمية الأوروبية الإفريقية المشتركة، لا مجرد مستفيد من الدعم.
فمن الناحية الاقتصادية، تدخل موريتانيا مرحلة نوعية بفضل مشاريع الغاز الطبيعي والهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة.
و الاتحاد الأوروبي، الذي يبحث عن بدائل آمنة ومستدامة للطاقة بعيدًا عن التوترات الجيوسياسية، يرى في موريتانيا شريكًا موثوقًا واستقرارًا سياسيًا نادرًا في المنطقة.
وهذا يضع نواكشوط في موقع تفاوضي قوي، يسمح لها بتحويل مواردها إلى رافعة تنموية حقيقية بدل الاعتماد على المواد الخام وحدها، ويتيح لها كذلك أن تكون طرفًا مؤثرًا في الحوار الدولي حول التحول الطاقوي .
ففي عالم يشهد إعادة رسم لموازين القوى، يمكن لموريتانيا أن تسعى إلى التموقع كجسر بين أوروبا وإفريقيا.
ومن المعروف أن أ لاستقرار السياسي الذي تنعم به البلاد، والانفتاح على الشركاء الإقليميين والدوليين، يمنحانها رصيدًا من الثقة لا يتوافر لكثير من جيرانها.
ويمكن القول أن زيارة الرئيس إلى بروكسل في هذا التوقيت بالذات تحمل رسالة مزدوجة:
• أولًا : أن موريتانيا شريك يعتمد عليه في قضايا الأمن والاستقرار في الساحل.
• ثانيًا : أن التنمية لا تنفصل عن الاستقرار، وأن التعاون الاقتصادي هو الطريق الأنجع لمواجهة التحديات المشتركة.
وكما هو معروف كذلك أن منتدى البوابة العالمية يمثل مشروعًا أوروبيًا طموحًا لبناء شراكات استثمارية عادلة مع الجنوب العالمي ، ومن مصلحة موريتانيا أن تدخل في الإطار بعقلية المبادرة والتأثير، لا بعقلية التلقي.
و بالتالي فإن مشاركة الرئيس الغزواني في بروكسل بهذا الحضور اللافت دليل على أن البلاد تسير بخطى ثابتة نحو هذا التحول.
ففي السنوات العشر القادمة ستكون موريتانيا أمام فرصة تاريخية لإعادة صياغة موقعها الجيو–اقتصادي.
إذا تم استثمار مشاريع الغاز والهيدروجين الأخضر بذكاء، وربطها باتفاقيات استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، فستتحول البلاد إلى نقطة وصل أساسية بين إفريقيا وأوروبا في مجال الطاقة النظيفة.
لكن التحدي الحقيقي لن يكون في حجم الاستثمارات فحسب، بل في قدرتنا على توطين المعرفة ونقل التكنولوجيا وبناء رأسمال بشري وطني قادر على قيادة التحول الاقتصادي.
وإن نجاح موريتانيا في هذه المرحلة سيعني أنها لم تعد مجرد طرف في المعادلة الإفريقية الأوروبية، بل أصبحت أحد مهندسيها الأساسيين.