منذ تسلّمه مقاليد الحكم، اختار فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مقاربة مختلفة لمكافحة الفساد؛ مقاربة تقوم على أدوات الدولة لا على صخب الخطاب .
فبدل التلويح بالشعارات، تم تعزيز منظومات الرقابة والمساءلة، وتفعيل أجهزة التفتيش، ومنح الهيئات الرقابية استقلالًا عمليًا مكّنها من متابعة الملفات دون تدخل أو تسييس.
كان التركيز على أن تكون الإجراءات دقيقة، وأن يتحول ضبط المال العام من ردة فعل إلى نهج عمل استباقي واصلاحي دائم داخل الإدارة.
لم يقتصر الأمر على تشديد الرقابة، بل رافقه حرص واضح على تطبيق العقوبات حين تتأكد المخالفات ، فقد شهدت السنوات الأخيرة إحالة عشرات الملفات إلى الجهات المختصة، واتخاذ إجراءات رادعة في حق من ثبت تورطه، بغض النظر عن موقعه أو صفته. هذا الانضباط القانوني، الذي بدأ يترسخ بهدوء، أكد فكرة أن الإفلات من المساءلة لم يعد متاحا كما كان.
ومع ذلك، لم تكن هذه المقاربة عقابية فقط، بل إصلاحية أيضًا. فالدولة تدرك أن الفساد لا يُنتج فقط من سوء النيات، بل من هشاشة المنظومات وضعف الوسائل وغموض المسؤوليات في كثير من الإدارات. لذلك رافق المسار الرقابي مسارٌ موازٍ لتقوية آليات التسيير، وتوفير النواقص الإدارية واللوجستية التي تُسهّل وقوع التجاوزات. بهذا المعنى، لم تكن مكافحة الفساد معركة مع الأشخاص، بل مع الثغرات التي تجعلهم قادرين على تجاوز القوانين او التحايل عليها .
أحد أبرز الشواهد على هذا التحول تجسّد في نُشر تقرير محكمة الحسابات، بما تضمنه من مخالفات موثقة. فجاء الموقف الرئاسي حاسمًا: أوامر مباشرة وصارمة باتخاذ الإجراءات القانونية في حق المتورطين في الفساد ، ومعالجة الاختلالات التي ساهمت في وقوعها. لم يكن نشر التقرير مجرد عرض للوقائع، بل كان إعلانًا عمليًا بأن حماية المال العام أصبحت مسؤولية لا تقبل التهاون، وأن الإصلاح يُدار بالمأسسة وليس بالاستعراض .
بهذه الصرامة الهادئة، ترسخت مقاربة تقوم على أن الرقابة الحقيقية لا تكتمل إلا بعقاب واضح وإصلاح بنيوي يضيق مساحات الفساد. إنها مقاربة تُعيد للدولة هيبتها، وللمال العام حصانته، وللمواطن ثقته في أن القانون فوق الجميع.