تمزج المدرسة السلوكية فى الاقتصاد بين علم النفس والاقتصاد لفهم سلوكيات الأفراد عند اتخاذ القرارات الاقتصادية ، وبذلك يختلف الاقتصاد السلوكى عن الاقتصاد التقليدى ، ويشير خبراء السلوك الاقتصادى الى انك لست بحاجة إلى توعية الناس بسلوكياتهم الخاطئة لكى تغير هذه التصرفات ، وانما بتطبيقك لعوامل التحفيزالمختلفة ــ والتى تعمل بشكل فوري ــ ستضمن حتما مساعدة المجتمع فى الانتقال من مفاهيم خاطئة تتعلق بسلوكه مثل تعديل النمط الاستهلاكى وترشيد استخدام المياه والكهرباء وهدرالغذاء ورمى القمامة بالطرقات واستعمال الشوارع اماكن لقضاء الحاجة ، اضافة الى دفع العاطلين عن العمل والفقراء فى هذا المجتمع من خلال هذا التحفيز للاندماج باختيارهم فى الإنتاجية والاستقلالية المالية والاقتصادية.
ومن الطبيعي والمألوف أنه بتكاتف جهود المواطنين في كل شعوب الارض في فرز النفايات والالتزام بقواعد التخلص منها ، واستخدام البلديات للتكنولوجيا الحديثة والحلول المبتكرة في إدارة النفايات، مثل إعادة التدوير والتحويل إلى سماد، لتحقيق بيئة حضرية نظيفة ومستدامة يضمن العالم بأسره امتلاك عواصم وشوراع وساحات نظيفة وعصرية بأقل التكاليف.
لكننا في موريتانيا يستطيع الزائر وصفنا حقيقة بأننا شعب استثنائي ودولة استثنائية بكل المقاييس، إذ لم نستفد من تجارب الغير في الدول الاخرى ، ولا حتى من تجارب شعوب كانت ثقافة الغاب هي موروثها الثقافي؟ ولم نقلد أي أمة من أمم الأرض في البناء والتعمير، وإنما أصبحنا نشازا بين أمم وشعوب الأرض.
وقد بينت التجارب والحقائق غياب دور البلديات في القضاء على النفايات المنتشرة في شوارع نواكشوط واسواقها ودوائرها العامة والخاصة ، وبات مؤكدا عندنا فى موريتانيا أن المواطن الموريتاني لا يلعب الدور المطلوب في المحافظة على نظافة المناطق المحيطة به ولا يلتزم بنظافة منطقته السكنية ولا مكان العمل أو المنشأة التى يعمل بها ، وبعيد كل البعد عن الالتزام بضوابط استخدام الحاويات ، ويتساوى فى هذا السلوك غير السوي الجميع على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها ، وان وجد استثناء لهذه القاعدة فسيتنبه ـ هذا المواطن ــ لضرورة النظافة متأخرا وسيعمد في ذلك الاجراء الى تـأجيرعربات متهالكة تجرها الحمير ويسوس أغلبها اطفال قاصرون لا يلتزمون بوضع تلك النفايات في الحاويات المخصصة لها أصلا ، مما يتسبب في الأذى للغير متخلصين منها بسرعة فائقة وذلك بالإلقاء العشوائي لها فى المدينة ، حتى يتفرغوا لغيرها والتخلص منها بنفس الطريقة ، مقابل مبالغ مالية زهيدة ومتسببين في توزيع تلك النفايات عشوائيا في الطرقات ، بعد أن كانت مكدسة في أمكنة محددة ، مما سيكون حجر عثرة أمام الشركة المغربية “ARMA HOLDING” ، والتى فازت مؤخرا بعقد قيمته 7.06 مليار أوقية وقد زينت مركباتها بشعارها الجميل ” مع آرما نواكشوط تتألق” .
فهل ستنجح الشركة المغربية في تجسيد شعارها الجميل كحقيقة ؟ أم أننا بعد مرورعام سنجيب على عنوان هذا المقال بتحديد سعر الكيلغرام من النفايات والاستفادة من تأثير الاقتصاد السلوكي على سياسات التخلص منها فى نواكشوط من خلال فهم دوافع الأفراد وسلوكياتهم ، ليشمل ذلك تحفيز المشاركة المجتمعية في الفرز وإعادة التدوير عبر تسهيل العملية وجعلها جذابة ، وتقديم مكافآت و حوافز مالية للأفراد الذين يفصلون نفاياتهم بشكل صحيح، مما يجعل مشاركتهم أكثر جاذبية من منظور اقتصادي ، على أن تتفرغ البلديات في نواكشوط لتوفير المركبات والحاويات والموازين عند نقاط محددة وتحديد الوقت والشروط اللازمة لاستقبال كميات النفايات بعد جمعها من طرف المواطنين العاطلين عن العمل ، وحفظها في اكياس خاصة توفرها البلديات حتى يتمكنوا من الحصول على قيمة التعويض ، وبهذه الطريقة نضمن محافظة الجميع على نفاياته المنزلية و التجارية ـ أو بيعها لمن يرغب في شرائها ـ بدل رميها عشوائيا حرصا على هذا التعويض مهما كانت قيمته.
وبهذه الفكرة البسيطة ومن خلال هذا التحفيز نضمن نظافة نواكشوط ونساهم في تقليص البطالة بخلق فرص عمل كثيرة لمن يختارها بدون واسطة أو محسوبية.
الدكتور : الحسن احمد طالب ـ استاذ جامعي ـ بتاريخ : 12/09/2025