تشهد العاصمة انواكشوط، ما بين 20 و26 أكتوبر الجاري، انطلاق النسخة الأولى من المعرض الدولي للكتاب في موريتانيا، وهي خطوة تاريخية تُدخل البلاد رسميًا إلى نادي الدول التي تمتلك تقاليد راسخة في تنظيم الفعاليات الثقافية الكبرى.
تعود جذور هذا الحدث إلى الرابع والعشرين من يناير الماضي، حين أعلن الوزير الأول المختار ولد اجاي، خلال جلسة علنية أمام البرلمان خُصصت لتقديم برنامج الحكومة لسنة 2025، التزام الحكومة بتنظيم معرض دولي للكتاب لأول مرة في تاريخ البلاد، تنفيذًا للتوجيهات السامية لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الرامية إلى جعل الثقافة ركنًا أساسيًا في السياسات العمومية.
وقد جاء هذا الإعلان استجابة لتطلعات المثقفين والقرّاء، الذين كانوا يطالبون منذ سنوات بمنصة وطنية تليق بتاريخ موريتانيا العلمي، المعروف بـ”بلد المليون شاعر” و”منارة المحاظر الإسلامية”.
هذا الحدث لا يُعد مجرد تظاهرة ثقافية، بل هو مشروع وطني جامع يحمل في طياته:
ترسيخ القراءة كسلوك يومي بين الشباب والطلاب؛
خلق فضاء للتلاقي بين الكتّاب والناشرين من الداخل والخارج؛
تحريك عجلة الصناعات الثقافية مثل النشر والطباعة والترجمة؛
إبراز الصورة الحضارية لموريتانيا كبلد للعلم والهوية والمعرفة.
ورغم أن البعض ينظر للثقافة باعتبارها قطاعًا غير ربحي، فإن المعرض يُعد أيضًا فرصة اقتصادية واعدة، إذ من المرتقب أن:
ينشط سوق الطباعة والنشر المحلي ويوفر فرص عمل موسمية ودائمة؛
يجذب دور نشر عربية وإفريقية وأجنبية تبحث عن توسيع حضورها في منطقة الساحل وغرب إفريقيا؛
يفتح المجال أمام شراكات في مجالات الترجمة والتوزيع الرقمي؛
يساهم في تنشيط قطاع السياحة الثقافية من خلال استقطاب الزوار من الدول المجاورة.
إن تنظيم هذا المعرض الدولي يُرسل رسالة واضحة إلى الخارج مفادها أن موريتانيا ليست مجرد جغرافيا سياسية أو اقتصادية، بل هي أمة ذات رصيد حضاري عميق، قادرة على بناء مشروع ثقافي حديث يمزج بين الأصالة والمعاصرة.
هذه النسخة التأسيسية من المعرض الدولي للكتاب في انواكشوط يجب ألا تُعتبر مجرد فعالية موسمية، بل انطلاقة لسياسة ثقافية مستمرة تجعل من العاصمة محطة قارّية للمعرفة والإبداع .