أضحى التكوين المهني أحد الركائز الاستراتيجية في تنمية الموارد البشرية، لما له من دور في تزويد الأفراد بالمعارف والمهارات والسلوكيات الضرورية للاندماج في سوق العمل. وقد أصبح الاهتمام بمفهوم الكفاءات محورًا رئيسًا في تطوير التكوين المهني، باعتباره أساسًا لضمان الجودة والملاءمة مع متطلبات المحيط الاقتصادي والاجتماع. غير أن المفارقة تكمن في أن بعض المؤسسات الراعية لمسار الجودة في التكوين التقني والمهني، هي نفسها لا تعتمد معايير الجودة داخليًا، ما يثير تساؤلات حول مدى مصداقية هذا التوجه.
إشكالية البحث
كيف تسهم مقاربة الكفاءات في تحقيق الجودة في التكوين المهني، وما حدود هذا التوجه في ظل غياب الجودة في المؤسسات الراعية نفسها ؟
فرضيات البحث
1. اعتماد مقاربة الكفاءات يعزز جودة التكوين ويجعل المخرجات أكثر ملاءمة لسوق العمل.
ضعف تطبيق معايير الجودة داخل المؤسسات المشرفة يحد من نجاعة الإصلاحات في مجال التكوين المهني.
أهداف البحث
• توضيح مفهوم الكفاءات وأبعادها في التكوين المهني.
• إبراز العلاقة بين الكفاءات والجودة في العملية التكوينية.
• تحليل التحديات التي تواجه تطبيق الجودة في مؤسسات التكوين المهني.
• لفت الانتباه إلى التناقض بين الخطاب الرسمي للجودة والممارسة الفعلية داخل المؤسسات الراعية.
منهجية البحث
اعتمد هذا البحث على المنهج الوصفي-التحليلي من خلال دراسة الأدبيات التربوية والتكوينية ذات الصلة، مع تحليل نقدي للواقع التطبيقي.
المحور الأول: مفهوم الكفاءات في التكوين المهني
– الكفاءة هي تفاعل متكامل بين المعارف، المهارات، والسلوكيات يمكّن الفرد من أداء مهام محددة بكفاءة وفعالية.
– مقاربة الكفاءات في التكوين المهني لا تركز فقط على المعارف النظرية، بل تعطي الأولوية للتطبيق العملي والتكيف مع تغيرات بيئة العمل.
المحور الثاني: الجودة في التكوين المهني
– يقصد بالجودة مطابقة العملية التكوينية لمعايير واضحة، مثل: ملاءمة البرامج لحاجيات سوق العمل، كفاءة المكونين، وتوفر التجهيزات البيداغوجية.
– الجودة تعني أيضًا نظامًا لتقييم الأداء، ومتابعة مستمرة للمتدربين، وضمان الاستدامة في النتائج.
المحور الثالث: العلاقة بين الكفاءات والجودة
– الكفاءات المرجعية تمثل الأساس الذي تُبنى عليه البرامج التكوينية ذات الجودة.
– الملاءمة مع سوق العمل: كلما تمحورت البرامج حول الكفاءات العملية، ارتفعت جودة المخرجات.
– التقويم المستمر: قياس مستوى الكفاءات يتيح مراجعة المناهج وتحسينها.
– القدرة على التكيف: جودة التكوين تُقاس بمدى قدرة المتخرج على مواكبة المستجدات.
المحور الرابع: إشكالية المؤسسات الراعية للجودة
– رغم سعي التكوين التقني والمهني إلى تطبيق معايير الجودة، إلا أن بعض المؤسسات الراعية لهذا التوجه تفتقد هي نفسها إلى آليات الجودة في بنيتها وأدائها.
– هذا التناقض يضعف مصداقية عملية الإصلاح، إذ كيف يمكن لمؤسسة لا تطبق الجودة أن ترعاها أو تفرضها على غيرها؟
– الحل يكمن في أن تكون المؤسسات المشرفة قدوة في تطبيق الجودة داخليًا، حتى تُكسب عملية الإصلاح شرعية ومصداقية.
المحور الخامس: التحديات والآفاق
– ضعف التنسيق بين مؤسسات التكوين وسوق العمل.
– نقص التجهيزات والوسائل البيداغوجية.
– حاجة المكونين أنفسهم لتكوين مستمر وفق مقاربة الكفاءات.
– ضرورة بناء ثقافة مؤسساتية للجودة تبدأ من الأعلى (المؤسسات الراعية) وصولًا إلى الوحدات التكوينية.
خاتمة
إن العلاقة بين الكفاءات والجودة في التكوين المهني علاقة جدلية، حيث لا يمكن تحقيق جودة حقيقية دون تحديد الكفاءات المرجعية وتطويرها، كما لا يمكن أن تكون الكفاءات ذات جدوى إذا لم تتجسد في إطار من الجودة الشاملة. لكن، غياب تطبيق الجودة في المؤسسات الراعية يظل عقبة أساسية، إذ يفرغ الخطاب من محتواه، ويجعل الجودة أقرب إلى شعار إداري من كونها ممارسة عملية. لذلك، فإن إصلاح التكوين المهني يقتضي أولًا إرساء الجودة في المؤسسات المشرفة، حتى تصبح نموذجًا ومرجعية يُحتذى بها.
أنواكشوط بتاريخ : 09 سبتمبر 2025
أحمدو سيدي محمد الكصري
خبير وطني في التوجيه المهني