(مقاربة لتشخيص المثبطات والمساهمة في إيجاد حلول فعالة)
تقوم السلامة الطرقية في جوهرها على التحكم المتوازن في أربع معطيات رئيسية تشمل: سلوكيات السائق من حيث احترام قانون السير – أهلية المركبة للسير بأمان – وضعية الطريق من حيث سلامتها وتزويدها بإشارات للتنبيه على المخاطر – حضور جهات الرقابة في التوعية واحترام ضوابط السلامة الطرقية. وبما يحيل لإمكانية تحقيق وضعية مثالية – أو الاقتراب منها – تكون فيها حوادث المرور منعدمة نتيجة وجود سائق ملتزم، ومركبة آمنة عند الاستخدام، وطريق مؤمن وجيد، ورقابة فعالة على الجميع.
1 – الأسس النظرية للمقاربة:
تستوحي المقاربة التي نعتمدها هنا لتعميق تشخيص السلامة الطرقية في بلادنا سبيلا لاقتراح حلول لها، الأساس النظري الذي تقوم عليه نظرية عالم الإدارة هيرزبرغ المعروفة ب(العامل الثاني) في محاولته لمعرفة العوامل المؤثرة على الروح المعنوية للموظفين في مؤسسة وبلورة منطلقاتها الأساسية، حيث عمد لتصنيف تلك العوامل على شكل مصفوفتين متقابلتين: عوامل دافعة اعتبرها تخدم الشعور بالرضا وتقليل استياء الموظف، وتتمثل في: تحقيق إنجاز – الاعتراف – العمل – المسئولية – ترقية وظيفية – التطور. وعوامل أطلق عليها(عوامل صيانة) واعتبرها تثبط الرضا حيث تتمثل في: ظروف العمل – رقابة – راتب – حماية – خصوصية -حالة العلاقات مع الزملاء والموظفون والرؤساء. ليخلص هيرزبرغ إلى أن عوامل الرضا لها تأثير تراكمي يقود إلى الشعور بالرضا، وهو ما يتحقق فقط من خلال آلية خاصة (للتثبيط) يتم بموجبها قيام عوامل الرضا بمحو عوامل عدم الرضا!.
وعلى أساس الصدور عن الأساس النظري لنظرية هيرزبرج قسمنا العوامل المؤثرة في السلامة الطرقية إلى مصفوفة أدوار (السائق – المركبة – الطريق)، ومصفوفة رقابة (ذاتية – مجتمعية – رسمية) تتبادلان التأثير بموجب آلية خاصة تتوقف فيها فعالية الأدوار على محو السلبيات لديها من قبل عوامل الرقابة.. بمعنى أن سلوك السائق مثلا يكون موافقا للسلامة الطرقية بقدر تأثير بعض أو مجمل عوامل الرقابة في سلوكه وهو يسوق لمنع ارتكابه لمخالفات تؤثر سلبا في السلامة الطرقية، فيما تخضع درجة أمان المركبة وخطر الطريق بدورهما لفعالية مستويات الرقابة الثلاث – كل واحدة على حدة وجميعهم في آن- وذلك بالعمل على تثبيط ما قد تتسبب فيه وضعية المركبة أثناء السير أو وضعية الطريق أثناء الاستخدام من تهديد للسلامة الطرقية، في معطى يمكن تلخيصه بتوقف السلامة الطرقية على درجة فعالية الرقابة (إيجابيتها) في تثبيط سلبيات الأدوار، وبالتالي تناسبها عكسيا مع درجة التثبيط لتلك السلبيات.
2 – في جدلية الأدوار:
بحصرنا سابقا جهات التحكم من حيث الأدوار في السلامة الطرقية في: السائق – المركبة – والطريق، فإننا سنتوقف لتعميق الطرح بخصوصها من خلال التطرق إلى جدلية الدور الخاص بكل منها في تهديد السلامة الطرقية مع التعرض لإشكالية الرقابة على هذا الدور من قبل السائق والدولة والمجتمع.
حيث يلعب السائق دور قطب الرحى في السلامة الطرقية وذلك بمسؤوليته المزدوجة عن سلوكياته وأفعاله المهددة للسلامة الطرقية من جهة، ومسؤوليته التقصيرية عن ضمان أمان وصلاحية المركبة التي سيسوقها من جهة ثانية. فضلا عن مطالبته بتوخي الحذر في التعامل مع تهديدات ومشاكل الطريق المتسببة بدورها في الحوادث. وبين أنه بقدر ما يهمله السائق من سلوكيات وضوابط الأمان في تصرفاته وفي وضعية مركبته – بإهمال إصلاح الأعطال والتعامل المناسب مع تهديدات الطريق – يكون كبيرا عدد الحوادث التي يمكن أن يتسبب فيها أو يتعرض لها ويورط الآخرين فيها.. وبما يعني أن السائق المتهور هو مشروع تهديد دائم للسلامة الطرقية في كل وقت وعلى كل طريق يباشر فيه سياقة مركبة!
في حين تبقى وضعية المركبة من بين أبرز العوامل المهددة للسلامة الطرقية، وذلك في حالة قيادتها وبها عطل أو مشكل يؤثر على حركيتها وعلى توفر الأمان لسائقها وركابها، وبما يكون معه سائق تلك المركبة مسؤولا عن التسبب بها في حوادث – تبعا لطبيعة ونوع المشكل الذي يهمل إصلاحه قبل تولي سياقة المركبة – تضر بالمركبات والأشخاص والحيوانات والممتلكات التي تقع على أو تستخدم أو تقطع نفس الطريق.
وينسحب معطى الوضعية المعيبة والخطرة للسيارة، على حمولتها لعدد أكبر من الأشخاص المرخص به لها في وثيقة التأمين، أو بزيادة الحمولة والحجم عن المرخص لها به، أو من خلال استخدام السيارة بتهور – بتواطؤ من السائق عن طريق القبول أو التغاضي – من قبل آخرين لوضعيات ركوب حرجة في غير المقاعد المخصصة للجلوس مثل أبواب السيارة أو مؤخرتها أو مقدمتها أو فوقها في تظاهرات فرح أو احتفال، وبما يهدد بسقوط ضحايا تتبدل معه وضعية الفرح في ثوان إلى وضعية مأتم!
ولا يخفى أن وضعية الطريق نفسها – عند إهمال صيانتها من قبل الجهات المختصة – قد تتحول إلى مصيدة فعالة لاصطياد السيارات والتسبب من خلال ذلك في حوادث مأساوية تقود لإزهاق الأرواح ومضاعفة الخسائر البشرية والمادية للحوادث المرورية، وبما تكون للسائق مساهمة في مضاعفة نتائجه عند عدم وجود حس لديه بالتوقع والاحتياط للتعامل مع المواقف الحرجة والخطرة التي يفرضها التعامل مع الطرق المتردية.
ويمكننا بناء على الملاحظة السابقة القول بتناسب عدد الحوادث التي تتسبب فيها الطرق طرديا مع مستوى إهمال الصيانة والترميم للطريق وغياب إشارات التنبيه على عوامل خطرة مسببة للحوادث عليه من حفر وأماكن متردية، وإصلاحات جارية وأشغال، ومنعطفات حادة وأماكن تجمع حيوانات وخروج شاحنات ومؤسسات تعليمية وتجمعات أتربة وسيارات متعطلة، … إلخ.
3 – في إشكالية الرقابة:
تطرح الرقابة على جهات التحكم في السلامة الطرقية من حيث الأدوار، مجموعة من الإشكالات الفرعية بسبب تعدد جهات الرقابة من جهة، وبسبب طبيعة صيغة المراقبة ذاتها بفعل توسع معطى الزمان والمكان، ولكثرة أعداد المركبات والسائقين والطرق من جهة ثانية.
فوفق جهات الرقابة، تتقاسم ثلاث جهات رئيسية مسؤولية الرقابة الفعالة على السائق والمركبة والطريق، في تكامل تام للأدوار بينها على النحو التالي:
– رقابة رسمية: تمارسها الجهات الرسمية المختصة في الرقابة على السلامة الطرقية من شرطة مرور بشكل خاص ومن شرطة على وجه العموم إلى جانب الدرك، والذين تقوم مهمتهم على التفتيش والتحقيق لإلزام السائقين والمركبات باحترام شروط الأمان والسلامة. حيث تكون هذه الرقابة فعالة بالتوظيف الأمثل للعناصر والوسائل المستخدمة فيها والمقاربة التي تعتمدها، ومراعاة تكاملها مع الرقابتين الذاتية والمجتمعية.
– رقابة مجتمعية: يمارسها المواطنون اليقظون الذين يتدخلون للاحتجاج على سلوك معين لسائق أو وضعية حرجة أو خطرة لمركبة أو حالة طريق مقلقة منبهين على عواقب ذلك ونتائجه، ومتدخلين كلما كان ذلك ضروريا لدى الرقابة الرسمية لتبليغها عن الحالات الملاحظة بهذا الخصوص للتعامل المناسب معها.
– رقابة ذاتية: يختص بها السائق الذي يكون لديه مستوى من الالتزام والمسؤولية، وبما يجعله يراقب على الدوام نفسه ومركبته قبل وأثناء القيادة، متوخيا التصرف المناسب للتعامل مع مشاكل الطريق خوف التسبب في حادث، ويعتبر هذا النوع من الرقابة أكثر أهمية عند غياب كل من الرقابة الرسمية والمجتمعية.
أما بخصوص طبيعة الرقابة فإنها تحيل بدورها إلى تحدين يتعلقان بممارسة رقابة شاملة تخص المكان والزمان، وذلك في مقابل رقابة جزئية تختص بتغطية نوع محدد بعينه من سائق أو مركبة أو طريق.
– الرقابة الشاملة: يندرج ضمنها تحدي تغطية المكان حيث لا يقتصر الأمر هنا فقط على الطرق المعبدة بين المدن وداخلها بل يشمل مجموع الشوارع الرئيسية والفرعية والساحات والأماكن في المدينة، وهو يتجاوز ذلك لجعل تغطية الرقابة تشمل كل مكان تمر منه مركبة سواء كان سالكا أو غير سالك في مجموع التراب الوطني. كما يندرج ضمن الرقابة الشاملة كذلك تحدي الزمان بجعل تغطية الرقابة على السائقين والمركبات والطرق قائمة في كل آن خصوصا مع احتمال انطلاق سيارة أو مجموعة من السيارات أو كل السيارات في منطقة معينة أو في مجمل المناطق في أي وقت أو في وقت واحد، في معطى يفرض لمواجهته الصدور عن التركيز على تفعيل الرقابة الذاتية والجمع بينها وبين الرقابة الرسمية والمجتمعية.
– الرقابة الجزئية: يختص هذا النوع بتغطية مجموع السائقين أو المركبات أو الطرق المستخدمة كلا على حدة وهم جميعا في آن، وفي رقعة محددة أو على عموم التراب الوطني.. بكلما يطرحه فعل ذلك بعناصر ووسائل محدودة من تحديات بالغة. وبما يشمل تشديد العقوبة على الذين يسوقون مركبات من دون التوفر على رخصة قيادة وبالتالي امتلاك مهارات القيادة الآمنة، وإلزام السائقين بالتقيد بكل الإجراءات المنصوص عليها في قانون السير، وأن تكون المركبة التي يستخدمونها مطابقة من حيث الوثائق والتأمين والحمولة والوضعية الفنية لصلاحية السير الآمن، في حين يلزم مراقبة مجمل المنعرجات الخطرة، والمناطق المتردية، أو التي شهدت حوادث متكررة. مع تنبيه جهات صيانة الطرق بالتدخل لإصلاح الحفر والمقاطع المتردية من الطريق المعبد أو الطيني للحد من ضررها على السيارات خصوصا الضعيفة منها لما تسببه من حوادث بتفجير الإطارات وتحريك المحركات عن مكانها وقلب السيارات المسرعة نتيجة التعامل الخاطئ معها.
4 – مقترحات بحلول:
نقدم هنا مجموعة من المقترحات بهدف المساهمة في التحسين من مستوى السلامة الطرقية في بلادنا وتحصينها من خلال المزيد من تثبيط العوامل المسببة للحوادث وذلك في نقاط مركزة نوردها على النحو التالي:
– التوصية بإنشاء مجلس وطني للسلامة الطرقية من مهامه تحسين وتطوير مستوى سياسيات السلامة الطرقية في موريتانيا.
– تخصيص أسبوع وطني تحسيسي للسلامة الطرقية برعاية السلطات العليا.
– إطلاق حملات توعية فصلية للتحسيس على أهمية الرقابة الذاتية والرقابة المجتمعية
– الزام السائقين بحمل مذكرة المخالفات والغرامات المرورية
– انشاء تطبيق لتزويد المصالح المختصة والسائقين بأماكن الحفر ومخاطر الطريق للتنبه لها.
– التطبيق الصارم لقانون المرور وإجراءات السلامة بما فيها قنينة الإطفاء وعلبة الصيدلة
– إلزام المركبات خصوصا الباصات وسيارات النقل المتوسطة والكبيرة بالفحص الفني.
– وجود إشارات خاصة قرب المواقع التي جرت بها حوادث متكررة
– إقامة نصب تذكاري مميز لتخليد ضحايا السير
– رصد جائزة لأحسن منظمة أو مبادرة للتحسين على السلامة الطرقية
– وضع رادارات عند مجمل المنعرجات الخطرة، وعند أماكن تحديد السير بأقل من 60 كلم
– ربط الترخيص لحفلات الأفراح بتعهد بتنظيم مسيرات سيارات آمنة موقع من خمسة أشخاص.
– تخصيص جزء من نشرات الأخبار لوضعية الطرق الخطرة والمستجدة للتذكير بها مع نشرها على موقع وكالة الأنباء الموريتانية، وإلزام مجمل السائقين بسحب ملخص عن وضعية الطريق الذي سيسلكونه وحمله معهم.
محمد باب موهــــدا
إعلامي وباحث، المدير الناشر لموقع الرقيب، ورئيس المنتدى المدني لترقية التثقيف والتنمية