تُقاس أهمية القطاعات الحكومية عادةً بمدى قربها من حياة المواطنين، وبحجم مساهمتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن دورها في السياسة والحكم. وهي معايير تجعل من قطاع الوظيفة العمومية والعمل أحد أهم القطاعات الحكومية وأكثرها مركزية باعتباره ركيزة أساسية لا غنى عنها لأي مشروع وطني يراد له النجاح والاستمرار.
فهذا القطاع يشرف بذراعيه (الوظيفة العمومية والعمل) على تسيير المصادر البشرية في القطاعين العام والخاص ويشكل العمود الفقري للتنمية. فتضمن مسارات الوظيفة العمومية الاستقرار المؤسسي واستمرارية الدولة، والاستدامة في المؤسسات، وتنفيذ الخطط والبرامج الإصلاحية، في حين ينظم قطاع العمل العلاقة بين أطراف الإنتاج ويحفظ حقوق العمال وأرباب العمل ويضمن استمرار دوران عجلة التنمية بتحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار، وتعزيز العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والهجرة.
معالي الوزيرة المحترمة
إن الثقة التي منحكم رئيس الجمهورية بتسميتكم على رأس هذا القطاع ثقة تستحق التهنئة ومهمة كبرى نتمنى لكم التوفيق فيها. وبصفتي موظفا في هذا القطاع وأمينا عاما لنقابة تضم اغلب أطره (مفتشي ومراقبي الشغل) فإنني أضع بين يديكم معالي الوزيرة هذا التشخيص لواقع قطاع العمل وبعض الحلول المقترحة لتطويره. عونا لمعاليكم على تأدية هذه المهمة الجسيمة، ولا ينبؤك مثل خبير.
يواجه قطاع العمل منذ أمد عدة معوقات ومشاكل قلّصت من دوره التاريخي وحدت من فعاليته وقد تجلت أبرز العوائق في:
• محدودية الصلاحيات وضعف تنفيذ العقوبات المرتبطة بمخالفات قوانين الشغل.
• ضعف الهيكلة المؤسسية للقطاع وتداخل الصلاحيات فيها
• عدم قدرة هيكلة القطاع على استيعاب الكادر البشري (مفتشين ومراقبين)
• عدم تناسب رواتب وعلاوات مفتشي ومراقبي الشغل مع طبيعة العمل الذي يقومون به والذي يتطلب ظروفا مادية ومعنوية تضم الحياد والشفافية.
• ضبابية وعدم وضوح النظام الخاص لأسلاك إدارة الشغل واقتصاره على الجوانب السابقة للاكتتاب دون تطرقه للضمانات المادية والمعنوية.
• انعدام الوسائل اللوجستية على المستوى الجهوي (سيارات ومعدات وتجهيزات).
• قلة التكوين المستمر والمتخصص في مجالات كالسلامة المهنية والعمل البحري والمعادن والغاز.
• ضعف التنسيق مع المؤسسات الخاضعة للوصاية (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وطب الشغل).
معالي الوزيرة إن هذه التحديات كلها تجعل الحاجة إلى إصلاحات جذرية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى ذلك أن الحلول الترقيعية لن تجدي نفعا ولن تنتشل هذا القطاع من الوحل الذي انغمس فيه لعقود ولعل أبرز الحلول الممكنة:
• إعداد هيكلة تخصصية جديدة للقطاع تأخذ بعين الاعتبار توسع وتنوع مجالات العمل في موريتانيا.
• مراجعة النظام الأساسي لمفتشي ومراقبي الشغل على ضوء تقرير اللجنة الفنية بتاريخ 09-03-2022
• العمل على توفير سيارات خدمة عمومية وسائل لوجستية تمكن مصالح التفتيش من الغيام بعملها.
• اصدار المرسوم المتعلق بتنفيذ مخالفات الشغل.
• وضع خطة لرقمنة الإجراءات في مجال العمل تسهيلا للمهام وتقريبا للخدمات.
• إرساء برامج للتكوين المستمر في مجالات متخصصة (التفتيش المينائي، المعادن، القطاع غير المصنف)
• مراجعة الأطر القانونية المؤطرة لعمل جهاز التفتيش.
• وضع لائحة معيارية للتعيين والترقية داخل قطاع تفتيش الشغل.
معالي الوزيرة المحترمة
إن مشاكل قطاع الشغل وحلولها لا تمكن الإحاطة بها في رسالة لكن هذه خطوات أولية في الطريق الصحيح نحو إصلاح هذا القطاع الذي يشكل إصلاحه رهانًا وطنيًا على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ومدخلا لتعزيز العدالة الاجتماعية، ومحاربة البطالة، وتشجيع الاستثمار، ودفع عجلة التنمية المستدامة.
إن قطاع الوظيفة العمومية والعمل هو دعامة استراتيجية لمستقبل البلد، والرهان على إصلاحه هو الرهان على بناء دولة قوية، عادلة، وقادرة على حماية مواطنيها وضمان كرامتهم، وإن اعتبره البعض مجرد محطة.
محمد محمد السالك اغربط
الأمين العام
للنقابة الوطنية لأسلاك إدارة الشغل